نبذة عن الكتاب:
عدُّ كتاب “عيون الأدلة” لابن القصّار مرجع أصيل في الخلاف العالي عند المتقدمين، والكتاب ذو منزلة بين مصنفات الاستدلال والترجيح، فقد تأثر بمنهجه كثير ممن جاء بعده، سواء من علماء المالكية أو غيرهم ممن صنَّف في علم الخلاف، أو من عُني بمحاكمة الحجج والأدلة، من أهل القرن الخامس والسادس، إلى جانب أنَّه يعد من أقدم ما وصل إلينا من الكتب الفقهية المؤلَّفة في الخلاف العالي، إلى جانب كونه من الكتب التي أوْلت الاستدلال بالأدلة النقلية والعقلية عنايةً فقهية.
وقد جمع فيه ابن القصار المالكي جملةً كبيرةً من المسائل الخلافية حيث بلغت مسائه ألفًا وأربعمائة وأربعين مسألة (1440)، ويتبين فيه طول نفس المؤلف في ذكر المناقشات والرد على الاعتراضات وقد يتكرر هذا عدة مرات في الدليل الواحد نفسه.
وقد كان الدافع لتأليفه هو سؤال الطلبة له بجمع ما تفرّق من مسائل الخلاف بين الإمام مالك وفقهاء الأمصار، قال رحمه الله: “سألتموني – أرشدكم الله – أنَّ أجمع لكم ما وقع إليّ من مسائل الخلاف بين مالك بن أنس رحمه الله وبين من خالفه من فقهاء الأمصار رحمة الله عليهم، وأن أبيّن ما عَلِمْتُهُ من الحُجج في ذلك، وأنا أذكر جملة من ذلك…”.
وقد اختار ابن القصار المالكي منهجًا مناسبًا للغرض الذي من أجله أُلّف الكتاب، إذ رتّب أبوابه على الترتيب الفقهي المعروف، مصدّرا لذلك بمقدّمة أصولية، ويبتدئ كلّ مسألة بقوله: “مسألة”، ويذكرها من غير عنوان غالبًا، وإذا فرّع عليها فرعًا سمّاه فصلًا، ويبدأ أوّلا بسياق المسألة على مذهب مالك، ويذكر الخلاف داخل المذهب إذا وُجِدَ، ثم يذكر أقوال غيره من الأئمة، ويسوق في كثير من المسائل أقوال عدد من أئمة التابعين وتابعيهم، وبعد أن يُنهي المؤلّف ذكر الخلاف في المسألة يَشرعُ في الاستدلال لمذهب مالك بقوله: “والدليل لصحة قولنا”، أو “والدليل لقولنا”، ونحو ذلك، وهو في كلّ ذلك يحرص على بيان وجه الاستدلال من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة. وقد يذكُر رحمه الله دليلًا لمالك ولا يرتضيه لعدم توافقه مع أصول المالكية أو مع أصول المخالف، فيذكر وجه مخالفته، ثم يذكر كيفية إلزام المُخالف من وجه آخر.
ولا يُشِير المؤلّف في الغالب إلى المصادر التي يعتمدها في إملاء كتابه، لكن من خلال التتبع يظهر أنه اعتمد ما سمعه وتلقّاه عن شيوخه وخاصة عن الأبهري، كما وردت الإشارة في الكتاب إلى أسماء بعض المصادر كشرح مختصر الطحاوي لأبي بكر الرازي، والحاوي لأبي الفرج الليثي، وكتاب ابن جريج في الحديث، وشرح مختصر المُزني، وغيرها.
ونجد ثناء العلماء على هذا المصنف، وتلقيه بالقبول الحسن، فقد قال الشيرازي في ترجمة المؤلف: «وله كتاب في مسائل الخلاف كبير، لا أعرف لهم كتابًا في الخلاف أحسن منه»، وقال أبو حامد الإسفراييني عنه: «ما ترك صاحبكم – يعني ابن القصار – لقائلٍ ما يقول»، وقد اختصره القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي نتيجة لأهميته في كتاب طبع مرَّة باسم “عيون المسائل”، وأخرى باسم “عيون المجالس”.
وابن القصار المالكي مؤلف الكتاب هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الشهير بابن القصَّار الأبهري الشيرازي البغدادي، و(القصَّار) نسبة إلى حرفة القصارة، وهي غسيل الثياب وتبييضها ودقها بقطعة من الخشب أعدت لهذا الغرض، ولعل والده أو جده كان يمتهنُ هذه الحرفة. وهو أحد كبار فقهاء المالكية، ولد في الربع الأول من القرن الرابع الهجري، نشأ ببغداد وتلقى العلم بها.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.